Tuesday, March 11, 2008

طاقة الجسد ومراد الروح


قال الشاعر

إذا كانت النفوس كباراً .. تَعِبْت فى مُرَادَها الأجسام


عن هذا

ُشكى الإمام " أبى الفرج عبد الرحمن الجوزى " فى كتابه " صيد الخاطر " فى الخاطرة رقم ( 21 )

قائلاً : لو أن الجبال حَملت ما حُمِلْتُ لعَجَزتْ


ويفسر قوله .. أن الشكوى لا تكون من البلاء والمصائب فى النفس والأهل والمال فقط فهذه إن كانت محدودة فهى مقبولة ولكن جوهر البلاء وأصعبه وخاصة ً على من أنشغل ببعض العلم والتفكر


قصور العقل عن إدراك الواقع


ومن ذلك أن التكاليف ليست كما يظن الظان فى أداء العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج وصلة الرحم وكسب الحلال وغير ذلك وإن كان ذلك يشق ..إلا أنه يتساوى وجوبه على جميع الخلق ..

.ولكن التكليف هو الذى عجزت عنه الجبال


قال تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا } - الأحزاب : 72 - ...... ...


ومن جملة هذا أنك .. لو ترى القدر يجرى بما لا يفهمه العقل , وألزمت العقل الإذعان للمُقَدَرْ , كان ذلك من أصعب

التكاليف , وخصوصاً فى ما لا يعلم العقل معناه كالتفاوت بين الناس فى الأرزاق وإصابة البعض بالأمراض والألام بدون سبب واضح أو تألم الأطفال وذبح الحيوان وما يحدث للناس من مصائب من تسلط الجبابرة عليهم وإذلالهم وتقتيلهم وتشريدهم وإنتهاك أعراضهم وحُرماتهم وغير ذلك .. مع الإعتقاد بأن المُقَدِر لذلك والآمر به .. أرحم الراحمين .
فهذا مما يتحير العقل فيه , فيكون تكليفه التسليم , وترك الإعتراض

فكم بين تكليف البدن وتكليف العقل ؟

ومن ذلك أيضا ... شهوة إعمال العقل

.. حيث أن للعقل شهوة

ومن ذلك

قول الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) : ( منهومان لا يشبعان طالبُ علمٍ وطالبُ مال).وعلى هذا فإن
من حُبِبَ إليه العلمُ من زمن الطفولة تشاغل به , وآه لو حٌبٍب إليه فنون العلم كلها لا فن واحد

والمُحِب لا يقنع بالقشور بل يروم الإستقصاء .... والوصول للأعماق ...

والزمان لا يسع , والعمر أضيق , والشوق يُقَوّى , والعجز يَظهر ,

فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات

............

والعلم يدل على معرفة الله المعبود , ويحث على خدمته .
وتصيح بك الأدلة عليه .. إليه .. , فتقف بين يديه , فتراه فى نعته , وتعرفه بصفاته


وآه لو عاينت بصيرتك من ألطافه ... يدعوك هذا للهيمان فى محبته ,

ويحركك للتخلى عن سواه للتفرغ لخدمته .
ويصير يملكك أمرٌ من الوجد كلما ذكرته , فتصير الخلوة فى خدمتك له

, أحلى عندك من كل حلاوة .


فكلما مِلتَ إلى الإنقطاع عن الشواغل إلى الخلوة ,

صاح بك العلم : أين تمضى ؟ أَتُعرض عنى وأنا سبب معرفتك به ؟

فتقول له : إنما كنت دليلاً وبعد الوصول يُستَغنى عن الدليل .

فيرد عليك : هيهات ! كلما زدت زادتك معرفتك بمحبوبك , فهمت كيف القرب منه .
ودليل هذا : أنك تعلم غداً , أنك اليوم فى نُقصان .

أو ما تسمعه يقول لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : { وقل ربى زدنى علماً } – ( طه 14 )



فلما تتيقن صدق هذه المقالة تتعلق بالعلم والتعلم والتعليم

وكلما تشاغلت بدعوة الناس إلى الله تفرق همك وحزنك وما عدت تهتم بعوارض الدنيا
وإذا وجدت مُرادك من نفعهم قد تضْعُف أنت

فتبقى فى حيز التحير متردداً , لا تدرى على أى القدمين تعتمد

فإذا وقفت متحيرا

صاح بك العلم : قُم لكسب العيال , وادأب فى تحصيل ولد يذكر الله ,

فإذا شرعت فى ذلك ما استطعت تحصيل ما يكفيك من زادك وقد ترى باب المعاش مسدود

لأن صناعة العلم فى كثير من الأحيان تشغل عن تعلم صنعة للرزق

.
فإذا التفت إلى أبناء الدنيا , رأيتهم لا يبيعون شيئاُ من سلعها , إلا بدين المُشترىِ.
وليت من نافقهم أو راءاهم نال من دنياهم , بل ربما يذهب دينه ولم يُحصل مُراده

.
فإن قال الضجر : اهرب , قال الشرع : " كفى بالمرء إثماً أن يٌضيع من يعول
وإن قال العزم : انفرد , قال الحال : كيف بمن تعول ؟

وقد لا تألف النفس التقلل من الدنيا والزهد فيها , وخاصة لمن رُبى فى ملذاتها وإن كانت بسيطة –

فإن تغير الطعام وخشونة الملبس – قد تُنَفِر الطبع لفراق العادة

.
ومعلوم أن لين اللقمة بعد التحصيل من الوجوه المُستطابة , ثم تخشينها لمن لم يألف سَعىٌ فى تلف النفس

.
فكيف السبيل ؟
.............
وكما قال الشاعر


واحسرتى كم أدارى فيك تعثيرى ........ مثل الأسير بلا حبل ولا سيرى
ما حيلتى فى الهوى قد ضاع تدبيرى .. لما عقلت جناحى قلت لى : طيرى !

!!!!!

No comments: